الجمعة، 8 أغسطس 2014

بنت الرصيف ....... زبيده عبدالرحمن




اخبرته انني داعية واود رقيتها فأفسحوا لي الطريق جميعهم وكأنهم يستنجدون بي .. تقدمت نحوها فاذا بها فتاة هزيلة متكومة بعبائتها ترتعد خوفا لم يتمكنوا ان يعرفوا منها سوى رقم اخيها ليتصلوا به ... لم تكلمهم كانت خائفة مني في عمرها الثلاثين .. جلست معها على الرصيف حين بائت كل محاولاتهم لاقناعها بالركوب باحدى سياراتهم ريثما يأتي اخوها .. فلم تستجب .. فما كان مني الا وان جلست وبدات ارقيها بما يسر الله لي وهي ترتجف ...
 اسميتها وكم هي كانت تلك الدموع تذرف ليكاد الرصيف ان ينطق منها
 في البداية ظننته حادثا عاديا ودفعني حب الاستطلاع الى النظر واذا بي اجد عباءة سوداء ظننت لوهلة انه ربما يخيل الي بسبب الارهاق والجوع ... وحين دققت النظر وجدت فعلا امراة تجلس على الرصيف ....
لم اكن اتوقع ولم بخطر ببالي انني سأكون على موعد معها وليلة العيد تحديدا وانا اشارك ابنائي فرحتهم بالعيد وبعد الانتها من شراء ملابس العيد وسباق مع الوقت الذي تاخر بنا فلم نشعر الا ونحن في اواخر الساعات من الليل .. بعد ان افترسنا الجوع انا وابنتي .. في طريق عودتنا الى المنزل استوقفتني دوريات الشرطة المجتمعة عندذلك الرصيف
 ذهبت لاعطيها زجاجة الماء لربما تحتاجها اعطتها وعدت الى سيارتي لست ادري لما احسست بشئ يجذبني اليها .. سالت احد رجال الشرطة فاخبرني انهى ربما تكون مرضة نفسيا فعرضت عليه رقيتها لعل الله ينفع بها
 كانت تلك احبتي .. دموع على الرصيف ... من قصة حقيقية سردتها لكم
 وعذرا منكم على الاطالة .. ولعلها تكون رسالة لكل اخ ولكل اسرة باحتواء بناتهم واخواتهم
 فعادت ولسانها واخيها يلهجان بالدعاء لي ... وتعهد اخوها امامي ان ينفذ كل ما طلبته منه
نظرات الخوف في عينيها والشك والريبة والحذر .. امتزجت كلها بنظرات الاستجداء للحنان تكاد تنطق عيناها تكلمني ..واصلت رقيتها بعد ان انتهيت شعرت كانها اطمأنت الي لم اسالها لاني اعلم ان رجال الشرطة انهكوها حتما بالاسئلة والاستفسارات التي لم يجدوا لها اجابة ... بدات اكلمها واطمئنها بأني لخدمتها وان الله ساقني اليها رحمة بي وبها وسرعان ما تدفقت شلالات الدموع ... حضر اخوها مفزوعا يسألني فأخبروه رجال الشرطة انني داعية وانني ارقيها فالتزم الصمت وابتعد ليفسح لي المجال .. طلبت منها ان تتكلم وتقول كل مابقلبها فأنا مستودع اسرارها .. قالت لي بالحرف الواحد ( لن اعود الى البيت ... لن ارجع مع بشار)
 استجابت لطلبي واطمانت حين وعدتها بزيارتها
 وماتزال البيوت ممتلئة بالكثيرات لايسمع انينهن الا الله عزوجل
 واذا بها تنطلق وتتكلم ( لن اعود مع بشار ... طبعا هي التي اطلقت على اخيها اسم بشار تقصد بشار الاسد عليه لعائن الله ... بدات تقص علي قصة معاناتها واخوها ملتزم للصمت منكس الراس وانا اسمع اليها لم اشعر بتعب جسدي من جلسة الرصيف اقنعتها ان تقوم الى السيارة بل صرحت لها انني تعبت من الجلوس واوجعني الرصيف لكن تلاشت محاولاتي وتبخرت امام طوفان معاناتها ... توفى والدها وبقيت مع امها المريضة لتعاني من تسلط الاخوة واهمالهم لها وقسوتهم ... والكبت العجيب الذي تعيشه حتى العمل حين اختارت ان تعمل لتنفق على نفسها رفضوا ان يسمحوا لها وان يتعاونوا معها ...
 جاء اخوها زبدا خائفا حذرا متوجسا يجاول تهدئتها ويحاول اشعاري انها مريضة نفسيا .... فتكلمت معها قلت لها انا اعلم تماما انك لست كذلك
الكل منشغل عنها بزوجاته وابنائه وهي قابعة مع الجدران ... كانت تقذف قنابلا من الاتهامات حين حدثتني نفسي انها لربما تكذب او تبالغ وجدت من اخيها ما يؤيد كلامها واتهاماتها بصمته وتنكيسه لراسه .... ودموعها التي تكاد تبلل الرصيف .
. مضى الوقت سريعا وقرب اذان الفجر لم يبق على صلاة العيد الاوقت قليل .. ومازالت ترفض الرجوع مع اخيها قالت لي اذهبي انتي ورفعت يديها للسماء تدعو لي واتركيني انا هنا بالشارع فطالما انني عبء على اخوتي فسأريحهم مني ... فهم من تسببوا لي في المرض لقد اصبت بالوسواس وتدمرت نفسيتي اصبحوا يحاولون تأليب امي علي ان طلبت اي شي حتى لو كان بسيطا .. اريد حقي في الحياة انا انسانة ... تقول احضرا لي رجلا بالخمسين يريدون ان يزوجوني ... وانا مازلت في الثلاثين من عمري... حينها اختلست النظرالى اخيها في ذهول منتزرة منه ان يكذبها مع انني من داخلي احس بصدقها في كل كلمة .. لكن لم يفعل لان كل ماقالته صحيح
 كان اخوها صامتا لا ينطق بكلمة استسلم لكلامها فلم يتجرا على الانكار ...بعدان فضحته وواجهته .. حاولت معها باستماتة ان تعود فليس ذلك حلا .. بل انها تدمر نفسها وصحتها وفي النهاية ايضا لن يهتموا ولن يكترثوا ... هنا وجدت نفسي امام تطبيقا عمليا لكل ما تعلمته من دورات تدريبة في تطوير الذات والتنمية البشرية التي كنت احيانالا اقتنع بها للاسف وكنت طبعا مخطئة ... اصبحت احفزها بانها يجب ان تكون قوية .. وتتمسك بالحياة ..
تفاجات باتصال والدتها .. وتريد ان تكلمني كلمتها وطمئنتها فقالت باكية ان ابنتها لا تاكل ولاتشرب بالايام .. وترجوني ان اناصحها وتدعو لي .... اذن الفجر
 رجعت الى بيتي وانا في ذهول .. والم الجلوس على الرصيف اضاع علي ولاول مرة صلاة العيد
 اصلحت بينهما وذكرت اخاها بعاقبة الظلم ... ووصيت الفتاة بانها مازالت شابة امامها مستقبل ان كانت لاتريد ان تكون عبئا فكيف تهمل صحتها حينها ستذبل وتكون عبئا ثقيلا
قالت اريد ان اعمل اكفيهم مؤونتي التي يمتنون بها علي لكنهم لايتعاونون معي في ايصالي .. لقد اصبح البيت مقبرة لي ... هم منشغلون مع زوجاتهم وابناءهم وانا اعاني الالم لا يشعرون بي وان شكوت انهالوا علي بالسب والشتم وتاليب امي علي ... لن اعود الشارع خير لي وارحم بي منهم  وحاولت ان ابثها طاقات ايجابية بان الله يحبها فابتلاها وغدا ينتظرها مستقبل مشرق بزوج صالح وابناء ينسوها كل ما عانت ... في داخلي هاجت مشاعر وذكرى مؤلمة عشتها في طفولتي بعيدة عن اخواني وحمدت ربي انه اختارني واصطفاني لكي انشأ بعيدة عنهم
 ومع الاذان طلبتها ان تعود وتدعو الله وتتصبر فغدا سيعوضها ربي .. كانت تبكي وتئن من ظلم اخوتها وزوجاتهم ..
 طبعا حاولت معها احتضنتها ولم تكن اساسا مقتنعة بما فعلت لكنها اضطرت لذلك .. قلت لها ولاخيها ان يتوجهوا لمراكز الاستشارات وعيادات الارشاد الاسري ... واخبرت اخيها انها تحتاج الى رقية شرعية بجانب جلسات ارشاد نفسي ويكون الاثنين معا
 طبعا الشماعة هي المرض النفسي والعقاقير فنصحتها سرا وقلت لها لا تسمحي لاخوتك ان يستغلوا تصرفاتك ويلصقون بك ما انتي في غنى عنه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق